الاثنين، مايو 30، 2011

القاهرة الحديثة... حلم رجل وحقيقة تدوم لمئات السنين

 

Mansheya2007 (28)

 

القاهرة الحديثة... حلم رجل وحقيقة تدوم لمئات السنين

بقلم وتصوير محمد شادي

 

Mohamed Shady©2010

 

في خطوات واثقة، ارتقى درجات السلم الحجري في نهاية الممشى الأنيق الذي يأخذك من مسجده الرائع إلى سراي إقامته، التي أسماها باسم زوجته وأم أبنائه... جوهرة. همس باسمها في نفسه وكرر ذلك مرات بينما بدأت عيناه في البريق بلمعة تروق الناظر إليه، فكرة تسره تجول الآن في خاطره. توقف واستدار ليواجه سور القلعة التي أتم تحصينها، جال ببصره في الأفق الممتد أمامه، كانت الألوان تتراوح بين درجات الأخصر اليانع، المتناثر في تشكيلات رائعة، ودرجات اللون البني الوقور، بدرجاته، كأنه ينظر في فنجان قهوته الأثير.

DSCF3249

 

همس مرة ثانية لنفسه، ولكن هذه المرة بأسماء أخرى مؤنثة: المحروسة... القاهرة.

أكمل الدورة ليواجه قصر جوهرته الحبيبة، وبدأت ترتسم على شفتيه ابتسامة يعرفها جيدًا كل المقربين منه، كانت الفكرة قد بدأت تستحوذ على كيانه وأخذت منه سنوات لكي يتم تحقيقها. هكذا بدأت الحكاية، محمد علي باشا، محمد على الكبير، مؤسس نهضة مصر الحديثة، وحكايته مع المحروسة، القاهرة.

DSCF3245

 

استدعى محمد علي وزراءه، وبدأ على الفور في مشروعه الحضاري الرائع لتطوير عاصمة جديدة لإمبراطورية يحلم بها، عاصمة تليق به وبأهلها، قاهرة جديدة نظيفة عصرية.

بدأ محمد علي مشروعه لتطوير القاهرة بتوسيع شوارعها وتنظيفها وإعادة رسم مخططها، إداريًا وعمرانيًا وحضاريًا.

اهتم في تخطيطه لعاصمته الجديدة العتيقة بتجديد القناطر الموجودة على النيل وفرعه الذي حمل اسم الخليج المصري ليسهل بها الحركة عبر النهر الخالد بين مركز الحكم في القلعة وجزيرتي الروضه والزمالك وكذلك إلى الجيزة، فجدد قناطر الأزبكية وبولاق وقنطرة الليمون (ميدان رمسيس حاليا) والوايلي والزاوية الحمراء ومسطرد وكل ما يسهل الوصول لقصوره الأخرى في شبرا ومنطقة أثر النبي والأزبكية والجزيرة الوسطى (الزمالك).

DSCF3207

 

أصدر محمد علي قراراً عام ١٨٣١ ميلادية أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ في العام ١٨٤٣ مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها. وفي العام ١٨٤٦ تم توسعة شارع الموسكي، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها.

قسم تخطيط القاهرة المدينة لشوارع رئيسية واسعة كشارع القلعة الذي يربط مقر الحكم في القلعة بمناطق الغرب كالروضه عبر الخليج المصري عند باب الخرق (حاليًا باب الخلق) وكذا شوارع باب اللوق وباب الخرق والسيدة زينب وكلها تصب في ميدان باب الخرق وكأنه المركز للعاصمة الجديدة. إضافة إلى شوارع أخرى يتم بها تخطيط القاهرة المحروسة مثل شوارع الرميلة والصليبة والسيدة نفيسة والشعراني والغورية وباب النصر وباب الفتوح ومرجوش ودرب سعادة.

 

DSCF3166

بعد أن تم تنظيم شوارع القاهرة وتوسيعها وغرس الأشجار على جانبيها، جاء دور تسمية الشوارع وترقيم الدور، أو بمعنى أدق كتابة أسماء الشوارع ووضعت أسماء جديدة لبعضها تعبر عن المكان من حيث ما يشتهر به من حرفة أو تجارة أو سكن شخص معروف، فجاء الأمر لذلك أن "تكون كتابة اسم الشارع المشتمل على النمر في ألواح الزوايا بخط جلي وأن يكتب اسم المحل تحته بخط رفيع بالنسبة إليه حتى أن كل من نظر الى اللوحة يعلم اسم المحل الذي هو فيه"، وصدر الأمر في سنة 1262هـ/1847م أمرًا "بكتابة أسماء الأزقة بمصر المحروسة على محل يناسبها فوق زواياها على أن تكتب على ألواح من الجص وتعلق، وتوضع أرقام للبيوت أعلى أبوابها أو بجانبها كأسلوب أوروبا طبق الإرادة السنية"، وقد بدأ هذا النظام من ميدان باب الخلق، الذي كان يعتبر المركز بالنسبة للمدينة.

 

DSCF3100

ولما كان إنشاء الدواوين – الوزارات – من أهم ركائز فكر محمد علي الإداري فقد كان من بين هذه الدواوين، ديوان الأشغال العمومية الذي كان مسئولاُ عن تطوير مصر وعمرانها. هذه الدواوين التي ضمت الدواوين المعتادة اللازمة لإدارة شئون الدولة كاداخلية والخارجية والحربية والبحرية والمعارف العمومية (التعليم والمدارس) والزراعة، فإننا نجد دواوين ابتكرها محمد علي تشير بلا أي لبس لحقيقة مشروعه الحضاري، مثل ديوان الترجمة وديوان المبتدعات – الفنون والآداب – والتي على رأسها فنون الخط العربي التي اهتم بها محمد علي كثيرًا.

 

DSCF2570

في رحلته لإحياء القاهرة بنى محمد علي عددًا من القصور لإقامته ولتكون مقارًا للدواوين الحكومية، كما امتد فكره لمفهوم نتحدث عنه الآن وهو المسئولية الاجتماعية لمؤسسات الحكم فأنشأ عددًا من الأسبلة والمباني الخدمية لأهل القاهرة المحروسة، منها مرصد بولاق ومستشفى الأزبكية، والمخابز الحكومية. كذلك فقد توسع في إنشاء مصانع النسيج وورش انتاج الملابس ومصانع الإنتاج الحربي لخدمة متطلبات ومهمات جيش مصر، كما كان سباقًا في إنشاء المصانع والورش التي تقوم بتصنيع آلات وماكينات المصانع المختلفة، إضافة إلى انشاء مطبعة بولاق، ليؤكد مرة أخرى على أن مشروعه الحضاري أكبر بكثير من مجرد بناء عاصمة لملكه كما قد يقدم عليه حكام آخرون، لا يفكرون ولا يولون اهتمامهم سوى فيما يدعم ركائز حكمهم.

 

DSCN0969

لذا لا عجب أن يكتب تاريخ الرجل أنه: محمد علي الكبير... وهو بحق، مؤسس مصر الحديثة.

DSCF3233

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من ارشيف الحواديت