حين نعطي البيوت أسماء من لم يعيشوا فيها طويلا
بقلم وتصوير محمد شادي بيت الكريتلية الذى بناه أحد أعيان القاهرة وهو محمد بن الحاج سالم بن جلمام الجزار عام 1631م/ 1041هـ يعد من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة فى القاهرة، لكونها تعطى أمثلة حية على ما وصلت إليه العمارة الإسلامية من رقي وتحضر وتفنن اتسقت فيه قيم العقيدة الإسلامية مع القيم الجمالية لهذه العمارة فى ركن هام من أركان العمارة الاسلامية وهو عمارة المسكن والاعاشة خصوصًا فى العصرين المملوكى والعثمانى، وقد تعاقبت الأسر الثرية فى السكن فى بيت جلمام الجزار حتى سكنته سيدة من جزيرة كريت فعرف منذ ذلك الحين ببيت الكريتلية أو الكردلية وهو مسجل بهذا الاسم فى مصلحة الآثار.
يقع البيت فى الجهة الشرقية لجامع ابن طولون وهو أحد بيتين من بيوت الأعيان يواجهان بعضهما ويعودان فى إنشائهما لنفس العصر العثمانى، والبيت الآخر هو المعروف باسم بيت آمنة بنت سالم آخر من امتلكه والتى يظن أنها من أسرة صاحب المنزل الأول. وأما الذى قام ببناء البيت فهو المعلم عبدالقادر الحداد وهذا سنة 947 هـ / 1540م. ويحصر البيتان على وضعهما دهليزًا بينهما يؤدى إلى الباب الشرقى لجامع ابن طولون وهو مايعرف بعطفة أو حارة الجامع والبيتان متصلان بممر أو "ساباط" فوق هذا الدهليز محمول على عقد. أما عن سبب تسمية البيتين باسم متحف جاير أندرسون، فيرجع ذلك إلى عام 1935م حين منحت الحكومة المصرية الرائد جاير اندرسون الذى كان يقيم فى القاهرة حق الاقامة فى واحد من أقدم المنازل العربية الواقعة بجوار جامع أحمد بن طولون.
وخلال اقامة اندرسون فى بيت الكريتلية استطاع تجميع مجموعة متنوعة من الاثاث والسجاجيد وأشياء أخرى من الفنون والحرف الشرقية المصرية وقد استقر اندرسون بمصر منذ عام 1907م الى أن أحيل الى التقاعد سنة 1924م فأصبح لديه الوقت الكافى لتجميع مجموعته، ومن بين هذه المجموعة 1100 قطعة تقريبًا من الزجاج المختوم ومعظمها يشبه النقود وهى ذات كتابات عربية. وفى عام 1942م اضطر جاير اندرسون الى مغادرة مصر بسبب مرضه. واستمرت الحكومة المصرية فى التقليد الذى اقره اندرسون وهو السماح لعامة الشعب بزيارة مجموعته. وفى عام 1943م تم تسجيل مجموعة جاير اندرسون من المتحف ثم قامت وزارة الارشاد العامة بتحويل البيت ومحتوياته الى متحف جاير اندرسون باشا.
وإذا بدأنا جولتنا من بيت الكردلية سنجد أن هذا البيت ينفرد بعناصر معمارية كثيرة ليس لكونه واحدًا من البيوت النادرة المتفردة الباقية من عمارة البيوت والقصور فى الحقبة العثمانية فقط بل هو ينفرد بخصوصيته حتى بين هذه البيوت القليلة فهذا البيت به سبيل لسقاية الناس وهو ما يندر وجوده فى عمارة البيوت، فالسبيل دائمًا كان ملحقا بعمارة دينية: مسجد أو زاوية أو رباط وفى أحيان قليلة بعمارة مدينة مثل شاهد أو مدفن أما أن يكون ملحقا ببيت فهذا نادر جدًا.
وسبيل بيت الكردلية يحتل زاوية الركن الأيمن الأرضى فى الدار ليطل على الخارج بشباكى تسبيل واحد على الحارة والآخر فى واجهة الدار بجوار باب الدخول الرئيسى، من هذين الشباكين كان يناول المزملاتى أو خادم السبيل الماء لمن يطلبه، حيث يغرف الماء من بئر عميقة توسطت حجرة السبيل وهى التى كانت تملأ بماء النيل العذب، والبئر مبنية ومبلطة بالحجر ومقببة السقف، أما سقف حجرة السبيل فقد كان من براطيم خشبية مزخرفة بأشكال هندسية ولا تزال محتفظة بألوانها الزاهية.
كان السبيل يقدم الماء طوال الوقت طالما كانت هناك أسرة تسكن البيت بل واستمر حتى أثناء مدة إقامة أندرسون، ولم يتوقف حتى وفاته. يتميز البيت بالمدخل المنكسر الذى يتشكل من دركاه - مساحة تلى المدخل مباشرة - ودهليز يفضى إلى صحن البيت. هذا الشكل لمدخل الدار الذى يسمى بالمدخل المنكسر والذى تميزت به عمارة البيوت الاسلامية فى العصر المملوكى والعثمانى كان تعبيرًا عن الحلول المعمارية التى يقدمها مهندسو العمارة لتتسق عمارة البيت جماليًا ووظيفيًا مع عقيدة صاحب المنزل وهى العقيدة الإسلامية فالمدخل المنكسر كان يحفظ حرمة الدار من عيون المتطفلين.
وإذا سلكنا إلى صحن الدار وهو فناء واسع أقرب إلى شبه المنحرف فى شكله، تتوسطه فسقية من الرخام الأبيض النقى ذات قسط مثمن، لمسنا تفردًا آخر فالصحن هنا يشكل الايقاع والتشكيل العمرانى للبيت كله المبنى على العقيدة الاسلامية فهو يمثل الرئة بالنسبة للمنزل فكافة طوابق المنزل وقاعاته خصوصًا قاعات الحرملك تنفتح عليه بدلا من الانفتاح على الخارج وهذا حفظا لحرمة البيت وساكنيه هذا فضلا على أنه يسمح بانفتاح المنزل على الداخل لا الخارج اتقاء للعوارض الترابية مما يجعل الهواء فى البيت منعشًا لطيفًا خاصة إذا اختلط برزاز الماء الخارج من الفسقية التى تضفى طابعًا جميلا وساحرًا على المنزل خاصة أنه يحيط بها حوض من بلاط الرخام الملون يعكس زرقة السماء الصافية نهارًا - حين يمتلئ بالماء - ويتلألأ فيه وجهه القمر ليلا غير أن ماءه الجاري يوفر ماءًا طاهرًا يصلح للوضوء فى كل وقت. وتتوزع على محيط صحن الدار قدور برميلية من الفخار تستند على أحواض من الرخام الأبيض ذات مصب يتجمع فيه الماء الرائق المرشح من القدر فيروى منه أهل الدار فى كل حين. وتوزعت أيضًا بين هذه القدر أصص لنباتات الزينة الجميلة.
أما منافع هذا الطابق الأرضى فتتمثل فى مجموعة من الحواصل التى تتوزع على جوانبه والتى كانت تستخدم لتخزين حوائج أهل الدار من حبوب وخلافه ولذا كان لها شبابيك صغيرة للتهوية والإضاءة مغشاة بمصبعات من خشب الخرط. وفى خلفية الفناء أسطبل لحصان واحد، وتصعد من الطابق الأرضى على سلم يفضى بنا إلى المقعد وهو مكان فسيح ينفتح على صحن الدار بواجهة تتكون من قنطرتين معقودتين محمولتين على عمود، ومواجهًا الجهة الشمالية ليتلقى الهواء البارد فى الصيف، وبذلك يكون مقعد أهل الدار طوال الصيف وإن كان يستأثر به الرجال أكثر من النساء وهو من مميزات عمارة البيوت الإسلامية ويتصدره داربزين عريض من خشب الخرط أما السقف فهو من براطيم خشبية مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية مذهبة وتتوزع على جانبى المقعد خورستانات - دواليب حائطية - مزخرفة بزخارف نباتية وضعت بها بعض الآنية الزجاجية. وهى تمتاز على تنوعها بنقاء زجاجها وجمال أشكالها وألوانها ودقة صناعتها وهى منتشرة فى كافة أركان المنزل إذ يبدو أن أندرسون كان مهتمًا بشكل خاص بجمع الآنية الخزفية والزجاجية.
ومن مكاننا بالمقعد نستطيع أن نرى حطات المقرنصات التى تعطى اتساعا للطابق الأول فضلا على قيمتها الجمالية. ويمكننا أن نرى مداميك المشهر فى جدران المنزل، والمشهر هو حلية زخرفية تستخدم فى العمارة الاسلامية وهى تلوين مداميك جدران البناء مدماكا باللون الأحمر ومدماكا باللون الأبيض. ونستطيع أن نرى جمال المشربيات من خشب الخرط الدقيق التى تطل على صحن الدار من كل طابق. ومن المقعد ندلف إلى السلاملك وهو قاعة الاستقبالات الخاصة بالرجال وهى تنقسم إلى ثلاثة أجزاء شأنها شأن أية قاعة في بيوت الأعيان فى العصر المملوكى العثمانى. فهناك ايوانان موزعان على جانبى القاعة ويحصران بينهما درقاعة فى الوسط - وهى كلمة فارسية تعنى الجزء المنخفض فى القاعة. وكل إيوان احتوى على شباك كبير غشى بالمشربيات المشغولة من خشب الخرط بدقة وتفنن باهرين وقد فرشت القاعة كلها بوسائد وثيرة مكسوة بالجوخ المنقوش والكسوات المخملية وتوزعت فى كافة أرجاء القاعة طقاطيق صغيرة من الخشب مشغولة بطرز اسلامية ومطعمة بالعاج والصدف.
وقد ازدانت جدران قاعة السلاملك بمجموعة عتيقة من المسدسات القديمة ترجع إلى العصر العثمانى، وعلى قدر بدائية كل قطعة فيها كسلاح على قدر رفعة قيمتها كقطعة فنية شغلها الصانع بمهارة يدوية وزخرفة على بدن المسدس المعدن ومقبضه الخشبى. وفى ركن آخر علقت أيضًا مجموعة من السيوف مختلفة الأشكال والأطوال بغمد مزخرفة أيضًا، وقد زخرف إزار سقف القاعة بزخارف نباتية بينها كتابات بخط الثلث المزخرف لبعض الأبيات الشعرية والأقوال المأثورة منها هذا القول: "من يعشق ينبغى ألا ينام".
أما سقف هذه القاعة فمعمول من براطيم خشبية طليت بلون بنى داكن وزخرفت بزخارف هندسية. توزعت فى هذه القاعة مجموعة من الدواليب والخورستانات المزخرفة الواجهات وبها آنية وآباريق من الخزف والزجاج، وتوجد أيضًا صينية طعام كبيرة مستديرة من النحاس المزخرف وعليها مجموعة من السلاطين النحاسية وهى تعود إلى العصر العثمانى، وبجوارها قطعة من الرخام الأبيض الفاخر على هيئة صينية بفجوات غائرة هى التى كانت تستعمل كقاعدة للقلل، وهناك أيضًا مجموعة من الصناديق الخشبية المطعمة بالعاج، ولابد أن نذكر هنا أن تكدس التحف فى هذه القاعة ليس من طبيعة هذه القاعات لكن ظرف العرض المتحفى لمقتنيات المتحف لمجموعة أندرسون فرض هذا التنوع والكثافة والاحتشاد فى القاعات.
يحفل رواق التصاوير والرسومات بمجموعة نادرة من التصاوير والرسومات التى تعد كل واحدة منها تحفة ثمينة فى ذاتها ويغلب عليها الأسلوب الفارسى الاسلامى فى الرسم والتلوين، وتصور بعض مشاهد الشاهنامة "كتاب الملوك" وهى الملحمة الشعرية التى نظمها الفردوسى سنة 400هـ/ 1010م. والبعض الآخر تصاوير صيد، وتصاوير أنس وعشق، وتصاوير احتفال وطرب وتصاوير لمناظر برية وأزهار وطيور ويغلب على رسوم الأشخاص فيها دقة الحجم والملامح وتأنق الملبس ويبرز فيها مهارة المصور فى استخدام الألوان، فألوان هذه التصاوير قوية ومنسجمة وتتوزع بين لون العقيق الفاتح والذهبى والأزرق السماوى والبنى بدرجاته مما يضفى على مشاهد اللوحات جمالا وبهجة. وأكثر ما يميز هذه اللوحات شأنها شأن لوحات الفن الفارسى، منظورها المسطح فلا عمق فى اللوحة وتبدو عناصرها متراكبة بعضها على بعض بشكل رأسى وأيضًا تغلب الزخرفة النباتية أو النباتات المحورة والنقوش المنمنمة على كثير من هذه اللوحات، ومن هذه التصاوير أيضًا ما يظهر البلاط السلطانى وما فيه من أبهة وفخامة وعظمة وسيادة للسلطان.
من هذا الرواق ندلف إلى الحرملك وهى قاعة ذات سلم منفصل تمامًا وأكثر ما يميز هذه القاعة تلك المشربيات الكبيرة المنمقة الجميلة فى كل جهة من القاعة وهى تطل على كل جهات المنزل الداخلية والخارجية حيث تتابع من ورائها حريم الدار كل ما يدور فى صحن الدار أو فى الحارات المحيطة بالدار دون أن تنكشف وجوههن على أحد من المارة الغرباء.
حتى ولو حاول أحد ذلك فلن يستطيع فهذه التعاشيق الدقيقة من خشب الخرط ذات المنظر الجمالى والتى تصنع بكل مهارة وتفنن تسمح بالرؤية من داخلها ولا تسمح بالرؤية من خارجها. وهى من الحلول العبقرية التى قدمها الصانع المسلم الفنان لتتسق وظيفة النافذة مع العقيدة الاسلامية التى تؤكد على ضرورة حجاب المرأة من عيون الأغراب وأيضًا بشكل جمالى باهر وغير مسبوق. وتضفى هذه المشربيات أيضًا نوعًا من البهجة والصفاء على قاعة الحريم لما يتسلل من فتحاتها من ضوء صاف وهواء رائق هذا فضلا عن أن وجودها يكسر حالة الركود والملل التى تعايشها الحريم فى الحرملك بما يتابعنه من ورائها لأحوال الشارع. ومما يلحظ أيضًا على هذه القاعة أنها مفروشة بوسائد وثيرة وبسط منقوشة جميلة ورقيقة وتوزعت فيها بتماثل دقيق مجموعة من الدواليب والخورستانات ورسمت على هذه الخورستانات تصاوير بالأسلوب الفارسى والتى تصور مشاهد برية بألوان مبهجة وزاهية، وفى هذه القاعة مجموعة من المقاعد الخشبية المطعمة بالعاج والمصفحة بالزجاج المفضفض والملون وهى ما تعرف بالمقاعد السورية أو مقاعد العروسة وهذا لكونها تخصص كمقعد للعروس فى حفل زفافها. والسقف فى هذه القاعة معمول من براطيم مزخرفة، وتتوزع فى هذه القاعة عدة مباخر نحاسية على هيئة قباب.
ومن قاعة الحرملك ندخل إلى غرفة صغيرة أشبه بقمرة وهى غرفة الكتابة والخطاطة الخاصة بأندرسون وفى طريقنا إليها نمر على غرفة كانت مخصصة للقراءة والآن يستغلها المتحف كقاعة لترميم مقتنيات المتحف من السجاد والبسط والمنسوجات.
ونصعد على سلم يفضى بنا إلى سطح البيت الذى كان بمثابة مقعد السيدات الصيفى لذا فعلى الرغم من أنه مكشوف إلا أن أطرافه غشيت بمربعات كبيرة من خشب الخرط تحسبًا من فضول الناظرين.
وتوزعت القدور الكبيرة حول داير السطح ونلمح أحواضًا لغسيل الوجه ومحار علقت عليها صنابير نحاسية لطيفة بمحابس من النحاس المشغول المفرغ، إضافة إلى المزولة الشمسية التى علقت فى أحد الأركان وهى عبارة عن قطعة من الرخام الأبيض ومنحوت عليها أرقام وإشارات لتحديد المواقيت.
نهبط بعض الدرجات لنصل إلى الغرفة الفارسية وهى غرفة تحتوى على أثاث مصنوع من الطراز الفارسى وهى الغرفة التى انتقاها وجهزها أندرسون لتكون غرفة نومه الخاصة وبها سرير كبير مزخرف بطريقة التطعيم بالصدف والعاج وله درابزين دائري حول السرير وهناك دولاب خشبى به عدة شمعدانات من النحاس ومشغول عليها زخارف بطريقة الرقش على المعدن وهناك مجموعة لوحات زيتية لفرسان وخيول وسرير صغير.
ثم ننتقل إلى الغرفة التركية وهى التى بها صالون على الطراز التركى، ويرجح أن يكون هذا الصالون ملكيًا لأن به مقعدًا كبيرًا بتاج ملكى، ومن نفائس هذه الغرفة لوحة لمحمد علي الكبير بالتصوير الزيتى مؤرخة "1806م" أى بعد توليه حكم مصر بسنة واحدة فقط. وهناك لوحة زيتية أيضًا للخديوى سعيد (1854 – 1867م) فى وقت مبكر من شبابه يبدو فيها مثل السلاطين الأتراك بالعمامة التركية الكبيرة الداكنة والوجه المثلث الأبيض الشاحب وشارب رفيع جدًا مبروم وملتو.
وتوزعت فى أرجاء الغرفة مجموعة نفيسة من القوارير والفازات من زجاج بوهيميا الذى اشتهر بجودته، وكان يهواه أعيان الشرق الاسلامى.
وفى ردهة واسعة تنفتح على قاعة كبيرة خصصت كمتحف للمنزل، تعرض مجموعة من مقتنيات أندرسون التى تعد من نفائس مجموعته، والتى نرى فيها مجموعة لوحات منها تلك اللوحة المرسومة بطريقة الليثوغراف وهى تصور حركة العامة الصاخبة أمام باب زويلة فى القاهرة منذ ثلاثة قرون مضت وهناك لوحات لزهور ووجوه أشخاص قام برسمها أندرسون نفسه، وهناك تمثال للإله المصرى "باستيت" على شكل قط أسود مصنع من الحجر والمعدن. وهناك أيضًا مجموعة كبيرة من الأوانى الزجاجية، والأوانى الخزفية النادرة ثمينة القيمة.
ومن رواق فى هذه الغرفة نسير إلى الغرفة الدمشقية وهى عبارة عن غرفة مزخرفة بالكامل بزخارف نباتية وورود يغلب عليها اللون الوردى وهذه الزخارف تشمل السقف وكل الجدران حتى الأرضية. فيتوسط هذه الغرفة سرير ضخم مزخرف بنفس لون وزخارف الغرفة. وهو سرير ملكى على الطراز الدمشقى ومعظمه من الصدف والعاج، وتوجد على وزرات السقف أبيات من قصيدة "نهج البردة" للبوصيرى وكان أندرسون قد اشترها من منقولات قصر قديم فى سوريا ونقلها من هناك واعاد تركيبها هنا.
وعن طريق الممر نذهب إلى البيت الثانى وهو بيت آمنة بنت سالم الذى يفضى بنا إلى مائدة ضيوف الحرملك وهى مائدة مخصصة لطعام الأميرات اللاتى قد يكن ضيوفا على سيدات الدار وهى مائدة كبيرة تتوسطها صينية كبيرة للطعام لها مقاعد للجلوس، بجوارها قاعة لاستقبال الأميرات والهوانم وسقف هذه الغرفة مزخرف برسومات وأشكال هندسية ومنمنمات كغلاف كتاب. وبجوار قاعة الطعام رواق المغانى وهو رواق صغير مسقوف وينفتح بتقشية بالمشربيات المنمقة دقيقة الصنع على قاعة الاحتفالات الكبرى ليتسنى للسيدات رؤية ما يدور من طرب ورقص فى هذه القاعة دون أن يلحظهن أحد.
أما قاعة الاحتفالات نفسها فى هذا المنزل فهى تعد من أفخم القاعات الموجودة ليس فى هذين البيتين فقط، بل فى كل البيوت والقصور الاسلامية الباقية، فهى طولها 15 مترًا وتنقسم إلى إيوانين عظيمين الايوان الأول على يمين الداخل يتصدره عرش هائل كأنه عرش ملكى من الخشب المنقوش والمزخرف والمطعم بالصدف والعاج وتمتد على جانبيه مصاطب ودكك بحواشى ووسائد وثيرة مكسوة بالدمستق والديباج لجلوس خاصة الأمير أما الوسط فقد كان للدور قاعة تنخفض نسبيًا عن مستوى الايوانين ويتوسطها نافورة للماء من الرخام الأبيض وأرضية القاعة كانت تحفة فى ذاتها فقد رصفت كلها برخام الخردة والرخام المعشق على هيئة تشاكيل هندسية مثل الطبق النجمة الذى يتشكل من دوائر وأشكال هندسية على شكل نجمة أما سقف الغرفة فكان بزخارف نباتية وهندسية منمقة باهرة. والايوان الثانى كان بدخلة عميقة بها غرف للاختلاء الخاص للتشاور بعيدًا عن الجمع.
ومن هذه الغرفة الباهرة نهبط إلى صحن الدار الذى يماثل صحن دار الكردلية ويتوسطه أيضًا فسقية من الرخام، لكن مما هو جدير بالذكر أن من الغرف الموزعة على هذا الصحن غرفة الولادة وهى الغرفة التى كانت تخصص للولادة وبها عدة مقاعد خشبية كانت تستخدم لمساعدة السيدات فى الولادة، وفى ردهة تلى باب الدخول والخروج الرئيسى وضعت مجموعة من الصور الفوتوغرافية لما كان عليه البيتان قبل الترميم والمراحل المختلفة لترميمهما نلمس بقوة من خلال هذه الصور الجهد الذى بذل لترميم هذين البيتين فى بداية القرن.
البيت في صور
بيت ومتحف جاير أندرسون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق