الأحد، ديسمبر 18، 2011

تلغرافات للنيل



تلغرافات للنيل




(1)
كنت اشتريت دمعك بحبات المطر
وبرغم ده
لا الحزن مات فيا
ولا الشتا جاني
حالف ما ييجي الا اما يلقى الرد ع الأسئلة
مين هو سجاني
خوف الحروف فوق الشفايف
ولا دمعك ده اللي ورق بين ضلوعي
شجرة هموم
حالفة لا تطرح موت ف أحلامي

(2)
مش باسأل الشمس الهروب من حضنك الدافي لكفي
بس الغريب
ان الثواني اللي ما بين كلمة بحبك وابتسامك
كانت كفاية اني انتهي من لمعتي
وابدأ ف لحظة الانطفا فيا
مخزون سعادتي بينفجر وبينجرح ويطش ويطرطش على هدومي
وانا بارسم النيل والهرم والناس والازهر والولاد
الموت بيضحك
والجرح مفتوح للديابة وللبشر
واحد يمد ايديه
ويرشقها ف جرحي
يفتفت النفس اللي فاضل
ف ابتسامي

(3)
الحصة دي مش للعلام
الحصة دي حصة بكا
كل الشوارع جنب بيتنا مسفلته
وبرغم ده
متعلمة تشرب دمايا الطيبة
الدم فوق الأرض كاتب كل حاجة
الدم متعلم
يهرب من الأسفلت والبنزين وصوت الموت
يهرب لكم
الدم متعلم يموت
الدم كان بيهزكم
وانا لما دمي كان بيجري لحدكم
وقفتوا ليه متكتفين؟؟؟

(4)
يا سنين ف عمري اللي انتها بدري
مدي الايدين
باب السما مفتوح
باب القلوب مقفول
وبيبان كتير متواربة
بتشوف كل حاجة
بس علشان الفضول
أما الهروب
ليا أنا وحدي
والامتثال للخوف
ليا أنا وحدي
والحلم ده اللي انكسر
حلمي أنا وحدي
قدري أموت مكسور
قدري
أموت
وحدي

(5)
مش قلت لك يا نيل؟
الناس ف بلدي
نسيت هديل الحمام
عشقت بارود الرصاص
مش قلت لك يا نيل؟
مد الايدين
اغسل قلوب الطيبين
اكسر شعاع الحزن ف عنيهم
انشر غسيلك على كوم الجراح النازفة من دمي
أحمر بعطر الميدان
ابيض ف لون الكفن
اسود يا توب أمي
أخضر يا لون الزيتون
بس العيون عميا
ماتكحلوش الجفون
شمسي مغمية
ولا تبعتوش تلغرافات وعليها عنواني
البوستة فرد حمام
حاطط على الشاهد
اليافطة فوق كلام
الموت كتير
واحد
وانا ألف مرة باموت مش مرة واحدة وبس
لما الرصاص بيفوت
الجبن ليه
يتحس

(6)
مش قلت لك يا نيل
انا من زمان قلت لك
إني ماليش ديه
قدري اني افضل كده
ف الوصل والانفصال
الجرح رد السؤال
قدري أكون موال
طب لجل خاطر النبي
إقرالي عدّيَّة

محمد شادي


الاثنين، مايو 30، 2011

القاهرة الحديثة... حلم رجل وحقيقة تدوم لمئات السنين

 

Mansheya2007 (28)

 

القاهرة الحديثة... حلم رجل وحقيقة تدوم لمئات السنين

بقلم وتصوير محمد شادي

 

Mohamed Shady©2010

 

في خطوات واثقة، ارتقى درجات السلم الحجري في نهاية الممشى الأنيق الذي يأخذك من مسجده الرائع إلى سراي إقامته، التي أسماها باسم زوجته وأم أبنائه... جوهرة. همس باسمها في نفسه وكرر ذلك مرات بينما بدأت عيناه في البريق بلمعة تروق الناظر إليه، فكرة تسره تجول الآن في خاطره. توقف واستدار ليواجه سور القلعة التي أتم تحصينها، جال ببصره في الأفق الممتد أمامه، كانت الألوان تتراوح بين درجات الأخصر اليانع، المتناثر في تشكيلات رائعة، ودرجات اللون البني الوقور، بدرجاته، كأنه ينظر في فنجان قهوته الأثير.

DSCF3249

 

همس مرة ثانية لنفسه، ولكن هذه المرة بأسماء أخرى مؤنثة: المحروسة... القاهرة.

أكمل الدورة ليواجه قصر جوهرته الحبيبة، وبدأت ترتسم على شفتيه ابتسامة يعرفها جيدًا كل المقربين منه، كانت الفكرة قد بدأت تستحوذ على كيانه وأخذت منه سنوات لكي يتم تحقيقها. هكذا بدأت الحكاية، محمد علي باشا، محمد على الكبير، مؤسس نهضة مصر الحديثة، وحكايته مع المحروسة، القاهرة.

DSCF3245

 

استدعى محمد علي وزراءه، وبدأ على الفور في مشروعه الحضاري الرائع لتطوير عاصمة جديدة لإمبراطورية يحلم بها، عاصمة تليق به وبأهلها، قاهرة جديدة نظيفة عصرية.

بدأ محمد علي مشروعه لتطوير القاهرة بتوسيع شوارعها وتنظيفها وإعادة رسم مخططها، إداريًا وعمرانيًا وحضاريًا.

اهتم في تخطيطه لعاصمته الجديدة العتيقة بتجديد القناطر الموجودة على النيل وفرعه الذي حمل اسم الخليج المصري ليسهل بها الحركة عبر النهر الخالد بين مركز الحكم في القلعة وجزيرتي الروضه والزمالك وكذلك إلى الجيزة، فجدد قناطر الأزبكية وبولاق وقنطرة الليمون (ميدان رمسيس حاليا) والوايلي والزاوية الحمراء ومسطرد وكل ما يسهل الوصول لقصوره الأخرى في شبرا ومنطقة أثر النبي والأزبكية والجزيرة الوسطى (الزمالك).

DSCF3207

 

أصدر محمد علي قراراً عام ١٨٣١ ميلادية أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ في العام ١٨٤٣ مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها. وفي العام ١٨٤٦ تم توسعة شارع الموسكي، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها.

قسم تخطيط القاهرة المدينة لشوارع رئيسية واسعة كشارع القلعة الذي يربط مقر الحكم في القلعة بمناطق الغرب كالروضه عبر الخليج المصري عند باب الخرق (حاليًا باب الخلق) وكذا شوارع باب اللوق وباب الخرق والسيدة زينب وكلها تصب في ميدان باب الخرق وكأنه المركز للعاصمة الجديدة. إضافة إلى شوارع أخرى يتم بها تخطيط القاهرة المحروسة مثل شوارع الرميلة والصليبة والسيدة نفيسة والشعراني والغورية وباب النصر وباب الفتوح ومرجوش ودرب سعادة.

 

DSCF3166

بعد أن تم تنظيم شوارع القاهرة وتوسيعها وغرس الأشجار على جانبيها، جاء دور تسمية الشوارع وترقيم الدور، أو بمعنى أدق كتابة أسماء الشوارع ووضعت أسماء جديدة لبعضها تعبر عن المكان من حيث ما يشتهر به من حرفة أو تجارة أو سكن شخص معروف، فجاء الأمر لذلك أن "تكون كتابة اسم الشارع المشتمل على النمر في ألواح الزوايا بخط جلي وأن يكتب اسم المحل تحته بخط رفيع بالنسبة إليه حتى أن كل من نظر الى اللوحة يعلم اسم المحل الذي هو فيه"، وصدر الأمر في سنة 1262هـ/1847م أمرًا "بكتابة أسماء الأزقة بمصر المحروسة على محل يناسبها فوق زواياها على أن تكتب على ألواح من الجص وتعلق، وتوضع أرقام للبيوت أعلى أبوابها أو بجانبها كأسلوب أوروبا طبق الإرادة السنية"، وقد بدأ هذا النظام من ميدان باب الخلق، الذي كان يعتبر المركز بالنسبة للمدينة.

 

DSCF3100

ولما كان إنشاء الدواوين – الوزارات – من أهم ركائز فكر محمد علي الإداري فقد كان من بين هذه الدواوين، ديوان الأشغال العمومية الذي كان مسئولاُ عن تطوير مصر وعمرانها. هذه الدواوين التي ضمت الدواوين المعتادة اللازمة لإدارة شئون الدولة كاداخلية والخارجية والحربية والبحرية والمعارف العمومية (التعليم والمدارس) والزراعة، فإننا نجد دواوين ابتكرها محمد علي تشير بلا أي لبس لحقيقة مشروعه الحضاري، مثل ديوان الترجمة وديوان المبتدعات – الفنون والآداب – والتي على رأسها فنون الخط العربي التي اهتم بها محمد علي كثيرًا.

 

DSCF2570

في رحلته لإحياء القاهرة بنى محمد علي عددًا من القصور لإقامته ولتكون مقارًا للدواوين الحكومية، كما امتد فكره لمفهوم نتحدث عنه الآن وهو المسئولية الاجتماعية لمؤسسات الحكم فأنشأ عددًا من الأسبلة والمباني الخدمية لأهل القاهرة المحروسة، منها مرصد بولاق ومستشفى الأزبكية، والمخابز الحكومية. كذلك فقد توسع في إنشاء مصانع النسيج وورش انتاج الملابس ومصانع الإنتاج الحربي لخدمة متطلبات ومهمات جيش مصر، كما كان سباقًا في إنشاء المصانع والورش التي تقوم بتصنيع آلات وماكينات المصانع المختلفة، إضافة إلى انشاء مطبعة بولاق، ليؤكد مرة أخرى على أن مشروعه الحضاري أكبر بكثير من مجرد بناء عاصمة لملكه كما قد يقدم عليه حكام آخرون، لا يفكرون ولا يولون اهتمامهم سوى فيما يدعم ركائز حكمهم.

 

DSCN0969

لذا لا عجب أن يكتب تاريخ الرجل أنه: محمد علي الكبير... وهو بحق، مؤسس مصر الحديثة.

DSCF3233

الثلاثاء، مايو 03، 2011

مصر… بتاعة مين؟

مصر... بتاعة مين ؟؟؟

بقلم وتصوير: محمد شادي

DSCN2534
كالعادة في صباح كل سبت، أخرج من بيتي في ضاحية مصر الجديدة التي لاتزال تحتفظ ببعض جمال كان يغمرها في يوم من الأيام، تأخذني للحظات صورتها القديمة التي رأيتها عليا أيام المدرسة الابتدائية منذ بضعة وثلاثين عاماً مضت. يأخذني الكسل لأن أترك سيارتي الجديدة لأتمشى في شارع الأهرام الجميل تحت البواكي الممتدة بطول الشارع لأفيق على مرارة تكسو وجوه الناس في الشارع. لم تعد مصر الجديدة وميدان روكسي كما كانا، فقدا الكثير من بريقهما، كما فقدت أن دهشة الطفولة أمام الفاترنات الرائعة. لون التراب لم يعد فقط يكسو واجهات العمارات، بل امتد ليكسو وجوه الناس. عدت أدراجي سريعاً، لأدير محرك سيارتي ولأنطلق نحو الملاذ الأخير كلما احسست بوجع القلب، إلى ميدان سيدنا الحسين، لأختبئ في أي من مقاهيه المتعددة، وحيداً.
DSCF0311

في الطريق، لاحظت أن المصريين لم يعودوا ودودين كما كانوا، وكما كانت شهرتهم على مر الزمن. قررت الهروب مرة أخرى، هذه المرة إلى داخل الحواري الضيقة لخان الخليلي. وفي نهاية المطاف وصلت إلى وجهتي، مقهى السكرية، أو ما تبقى منه. جلست في مكاني المفضل بعد أن القيت السلام على صديقي العجوز، عم محمد، لم احتج لأن أطلب أي شيء، فعم محمد يعرف طلبي جيداً، (قهوة على الريحة بن غامق في كباية)، وبينما اختفى عم محمد داخل المقهى الذي تقلصت مساحته مؤخراً عدة مرات، راحت عيني تتجول في المكان، وبدأت أصوات الورش المجاورة تتسلل إلى أذني على استحياء.

DSCN0160

مر علينا عم سيد صاحب ورشة الصدف المجاورة للمقهى، دخل إلى عم محمد وبيده كوب فارغة، وخرج والكوب ممتلئة بالماء الذي تتصاعد منه الأبخرة. ألقيت عليه السلام فلم يسمعني، كررت المحاولة رافعا صوتي فالتفت نحوي راداً السلام وراسماً ابتسامة باهتة على وجهه المجعد بفعل الزمن.

جاء عم محمد بالقهوة فطلبت منه أن يأتيني بها عند عم سيد، وجلس ثلاثتنا حول الطاولة التي يعمل عليها عم سيد.

DSCN0121

سألت صديقاي العجوزان: لماذا يبدو المكان فارغاً، كان خان الخليلي خلية نحل لا تهدأ، على أن ما أراه اليوم كما لو كان قاعة مهجورة في متحف، قلما تدخل اليها أقدام الزائرين.

بدأ عم أحمد كمن كان ينتظر السؤال: "لم يعد هناك الكثير، فصاحب المقهى كلما زاد الضغط المادي عليه، يبيع جزء من المكان حتى لم يعد باقياً سوى ما يقرب من ربع المساحة الأصلية، فالمرتادون لم يعودوا يأتون كعادتهم، تحت وطأة الأزمة المالية التي يعيشها كل الناس اليوم. لم يعد لدينا سوى القليل من الرواد والباقي هم أصحاب الورش المجاورة والذين هم أيضاً صاروا يكتفون بالماء الساخن، عوضاً عن الطلبات. الحال أصبح صعيباً" على حد تعبير عم محمد.

DSCN0126

طول ذلك الوقت كان عم سيد يجهز شايه بهدوء ثم عاد لمقعده ليبدأ العمل في هدوء، وبطريقة ميكانيكية آلية لا روح فيها، نظرت إلى عينيه المركزتين على إصبعه المبلل بالغراء فبدأ يتكلم ببطء. "كان السائحين فيما مضى يأتون إلى الورشة ليروا بعيونهم كيف تصنع تلك المشغولات التي يرونها تامة الصنع في المحال بالخارج، وعندما كانوا يفعلون ذلك، يدركون مدى صعوبة الصنعة وجمالها، فكانوا مستعدون لدفع كل ما نطلبه، أما اليوم، فلم يعد هناك صنايعية ولا ورش، لقد قتلت الصين والمنتجات الصينية كل ما تبقى لنا من أمل، فلم يعد لدينا اليوم سوى أن نعمل هذه المنتجات من علب وصناديق وإطارات الصور فقط للمحال التي لا تستطيع ان تستورد المنتجات الصينية. قل ثمننا وراحت أيام عزنا، وضاعت الصنعة."

DSCN0164 DSCN0130  DSCN0138

سألت عم سيد عن اختلاف الصنعة اليوم عن الماضي، توقفت يديه عن العمل، ونظر في عيني مباشرة ليقول بنبرة فيها الكثير من الندم والحسرة: "أين هي الصنعة اليوم؟ لم يعد في مقدورنا أن نشتري الصدف الحقيقي، وها هي الصين تبيعنا القطع سابقة التشكيل والمصنوعة من البلاستيك، وأصبحنا مضطرين لاستخدامها فهي أقل كلفة. وأصبحنا نقدم منتجا من الدرجة الثانية، بينما نرى مثلاً منتجات رائعة مستوردة من سوريا وإيران، كنا والله في الماضي نعمل أروع منها."

توقف الحديث فجأة كما بدأ فجأة وعاد عم سيد لأدائه الميكانيكي الآلي، وانهمكت أنا في التقاط بعض الصور له، قبل أن تفرغ أكواب الشاي والقهوة. ويسود الهدوء مرة أخرى.

DSCN0151

خرجت من المكان ماراً على نقطة شرطة السياحة التي كان عساكرها يتناوبون النظر إلي باستغراب بينما الضابط الجالس بالداخل مشغول بهاتفه المحمول. عبرت الدرج الواقع تحت اللوحة التأسيسية للمكان، وشعرت بالمرارة حين تذكرت كيف كان هذا المكان من قبل.

DSCN0116

وأنا في طريقي نحو وسط البلد، عبرت عيني على ما تبقى من سقف المسرح القومي بعد الحريق، تأكد لي أن السقف الرائع قد سقط تماماً كما ذكرت التقارير الصحفية منذ ليلة الحريق بينما وفي ذات الوقت تبقت القبة المعدنية التي كانت الهيكل الداخلي للسقف، فتأكد لي كذلك أن المسئولين لم يكذبوا حين نفوا سقوط السقف!!!

DSCF2720

نزولاً من كوبري الأزهر وعبر شارع عدلي ثم يساراً إلى شارع شريف، على امتداده عبر البنك الركزي المصري، محل ملابس الأهرام، ومحل شاهين الشهير للأسماك المملحة، ثم التوحيد والنور ثم مقهى البرابرة، فيميناً في شارع محمد محمود، الجامعة الأمريكية ومكتبتها، ثم ماكدونالدز وبيتزا هت وهارديز الذي احتل مكان مقهى أسترا الشهير الذي اختفى منذ ما يربو على العشرين عاماً، طفت بسيارتي حول ميدان التحرير.

استوقفتني إشارة المرور فأغمضت عيني للحظة متذكراً صورة قاعدة لتمثال المهيبة التي انتصبت في وسط الميدان في يوم من الأيام قبل أن يجتاح مكانها ساحة انتظار المجمع بواجهته المتجهمة، أخذت طريقي ببطء واستدت إلى اليمين عبر النفق الصغير، ثم إلى كوبري قصر النيل حيث أخبرتني وجوه العابرين على الكوبري عما لم استطع أن أتفهمه في حينه. حالة الوجوم تكسو الوجوه، حتى صور الأحباء اختلفت، زانت البسمات من على وجوههم، بينما وقف الكثيرون، متوحدون شاخصي الأبصار، أو موجهين نظرهم نحو الماء تحتهم، كمن يحاول أن يتذكر شيئاً نسيه منذ زمن. التساؤلات على الوجوه والأجوبة محتجبة عنهم.

DSCN2746

رفعت رأسي لأرى إن كانت الإشارة المرورية قد تغير لونها من الأحمر إلى الأخضر فقابلني مشهد برج القاهرة المهيب، استدرت إلى اليمين ثم يساراً باتجاه شارع البرج، اوفقت سيارتي وتوجهت إلى شباك التذاكر، لم أكن قد صعدت البرج منذ عدة أعوام.

DSCF0318

من فوق البرج نظرت نحو القاهرة، لأرى الدخان يكسوها بسحابة قاتمة، لم يعد بإمكاني أن أرى الهرم من هنا كما تعودت، بينما على الجانب الآخر وتحت أقدام البرج تلألأت على صفحة النيل صفوف من المراكب السياحية الضخمة، لا يستطيع الكثيرون أن يدفعوا فقط الحد الأدنى لدخولها، ناهيك عن تناول وجبة فيها.

DSCN2526

عائداً على كوبري قصر النيل ولكن سيراً هذه المرة، استوقفني مشهد ثلاثة أطفال يلهون على فلوكة صغيرة تكاد لا تظهر إلى جوار المطاعم النيلية العائمة بضخامتها البادية. سألت نفسي سؤالاً وخجلت حين لم أجد له رداً، "هي مصر بقت بتاعة مين؟."

DSCN2586

DSCN2604 DSCN2595 DSCN2583

السبت، أبريل 23، 2011

بيت الكريتلية ... متحف جاير أندرسون

 
DSCF0008
حين نعطي البيوت أسماء من لم يعيشوا فيها طويلا
بقلم وتصوير محمد شادي
 
DSCF0007
 
بيت الكريتلية الذى بناه أحد أعيان القاهرة وهو محمد بن الحاج سالم بن جلمام الجزار عام 1631م/ 1041هـ يعد من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة فى القاهرة، لكونها تعطى أمثلة حية على ما وصلت إليه العمارة الإسلامية من رقي وتحضر وتفنن اتسقت فيه قيم العقيدة الإسلامية مع القيم الجمالية لهذه العمارة فى ركن هام من أركان العمارة الاسلامية وهو عمارة المسكن والاعاشة خصوصًا فى العصرين المملوكى والعثمانى، وقد تعاقبت الأسر الثرية فى السكن فى بيت جلمام الجزار حتى سكنته سيدة من جزيرة كريت فعرف منذ ذلك الحين ببيت الكريتلية أو الكردلية وهو مسجل بهذا الاسم فى مصلحة الآثار.
DSCF0004
يقع البيت فى الجهة الشرقية لجامع ابن طولون وهو أحد بيتين من بيوت الأعيان يواجهان بعضهما ويعودان فى إنشائهما لنفس العصر العثمانى، والبيت الآخر هو المعروف باسم بيت آمنة بنت سالم آخر من امتلكه والتى يظن أنها من أسرة صاحب المنزل الأول. وأما الذى قام ببناء البيت فهو المعلم عبدالقادر الحداد وهذا سنة 947 هـ / 1540م. ويحصر البيتان على وضعهما دهليزًا بينهما يؤدى إلى الباب الشرقى لجامع ابن طولون وهو مايعرف بعطفة أو حارة الجامع والبيتان متصلان بممر أو "ساباط" فوق هذا الدهليز محمول على عقد. أما عن سبب تسمية البيتين باسم متحف جاير أندرسون، فيرجع ذلك إلى عام 1935م حين منحت الحكومة المصرية الرائد جاير اندرسون الذى كان يقيم فى القاهرة حق الاقامة فى واحد من أقدم المنازل العربية الواقعة بجوار جامع أحمد بن طولون.
 
DSCF0136
وخلال اقامة اندرسون فى بيت الكريتلية استطاع تجميع مجموعة متنوعة من الاثاث والسجاجيد وأشياء أخرى من الفنون والحرف الشرقية المصرية وقد استقر اندرسون بمصر منذ عام 1907م الى أن أحيل الى التقاعد سنة 1924م فأصبح لديه الوقت الكافى لتجميع مجموعته، ومن بين هذه المجموعة 1100 قطعة تقريبًا من الزجاج المختوم ومعظمها يشبه النقود وهى ذات كتابات عربية. وفى عام 1942م اضطر جاير اندرسون الى مغادرة مصر بسبب مرضه. واستمرت الحكومة المصرية فى التقليد الذى اقره اندرسون وهو السماح لعامة الشعب بزيارة مجموعته. وفى عام 1943م تم تسجيل مجموعة جاير اندرسون من المتحف ثم قامت وزارة الارشاد العامة بتحويل البيت ومحتوياته الى متحف جاير اندرسون باشا.
 
DSCF0258
 
وإذا بدأنا جولتنا من بيت الكردلية سنجد أن هذا البيت ينفرد بعناصر معمارية كثيرة ليس لكونه واحدًا من البيوت النادرة المتفردة الباقية من عمارة البيوت والقصور فى الحقبة العثمانية فقط بل هو ينفرد بخصوصيته حتى بين هذه البيوت القليلة فهذا البيت به سبيل لسقاية الناس وهو ما يندر وجوده فى عمارة البيوت، فالسبيل دائمًا كان ملحقا بعمارة دينية: مسجد أو زاوية أو رباط وفى أحيان قليلة بعمارة مدينة مثل شاهد أو مدفن أما أن يكون ملحقا ببيت فهذا نادر جدًا.
 
DSCF0024
 
وسبيل بيت الكردلية يحتل زاوية الركن الأيمن الأرضى فى الدار ليطل على الخارج بشباكى تسبيل واحد على الحارة والآخر فى واجهة الدار بجوار باب الدخول الرئيسى، من هذين الشباكين كان يناول المزملاتى أو خادم السبيل الماء لمن يطلبه، حيث يغرف الماء من بئر عميقة توسطت حجرة السبيل وهى التى كانت تملأ بماء النيل العذب، والبئر مبنية ومبلطة بالحجر ومقببة السقف، أما سقف حجرة السبيل فقد كان من براطيم خشبية مزخرفة بأشكال هندسية ولا تزال محتفظة بألوانها الزاهية.
 
DSCF0023
 
كان السبيل يقدم الماء طوال الوقت طالما كانت هناك أسرة تسكن البيت بل واستمر حتى أثناء مدة إقامة أندرسون، ولم يتوقف حتى وفاته. يتميز البيت بالمدخل المنكسر الذى يتشكل من دركاه - مساحة تلى المدخل مباشرة - ودهليز يفضى إلى صحن البيت. هذا الشكل لمدخل الدار الذى يسمى بالمدخل المنكسر والذى تميزت به عمارة البيوت الاسلامية فى العصر المملوكى والعثمانى كان تعبيرًا عن الحلول المعمارية التى يقدمها مهندسو العمارة لتتسق عمارة البيت جماليًا ووظيفيًا مع عقيدة صاحب المنزل وهى العقيدة الإسلامية فالمدخل المنكسر كان يحفظ حرمة الدار من عيون المتطفلين.
 
DSCF0009
 
 
وإذا سلكنا إلى صحن الدار وهو فناء واسع أقرب إلى شبه المنحرف فى شكله، تتوسطه فسقية من الرخام الأبيض النقى ذات قسط مثمن، لمسنا تفردًا آخر فالصحن هنا يشكل الايقاع والتشكيل العمرانى للبيت كله المبنى على العقيدة الاسلامية فهو يمثل الرئة بالنسبة للمنزل فكافة طوابق المنزل وقاعاته خصوصًا قاعات الحرملك تنفتح عليه بدلا من الانفتاح على الخارج وهذا حفظا لحرمة البيت وساكنيه هذا فضلا على أنه يسمح بانفتاح المنزل على الداخل لا الخارج اتقاء للعوارض الترابية مما يجعل الهواء فى البيت منعشًا لطيفًا خاصة إذا اختلط برزاز الماء الخارج من الفسقية التى تضفى طابعًا جميلا وساحرًا على المنزل خاصة أنه يحيط بها حوض من بلاط الرخام الملون يعكس زرقة السماء الصافية نهارًا - حين يمتلئ بالماء - ويتلألأ فيه وجهه القمر ليلا غير أن ماءه الجاري يوفر ماءًا طاهرًا يصلح للوضوء فى كل وقت. وتتوزع على محيط صحن الدار قدور برميلية من الفخار تستند على أحواض من الرخام الأبيض ذات مصب يتجمع فيه الماء الرائق المرشح من القدر فيروى منه أهل الدار فى كل حين. وتوزعت أيضًا بين هذه القدر أصص لنباتات الزينة الجميلة.
 
DSCF0013
 
 
أما منافع هذا الطابق الأرضى فتتمثل فى مجموعة من الحواصل التى تتوزع على جوانبه والتى كانت تستخدم لتخزين حوائج أهل الدار من حبوب وخلافه ولذا كان لها شبابيك صغيرة للتهوية والإضاءة مغشاة بمصبعات من خشب الخرط. وفى خلفية الفناء أسطبل لحصان واحد، وتصعد من الطابق الأرضى على سلم يفضى بنا إلى المقعد وهو مكان فسيح ينفتح على صحن الدار بواجهة تتكون من قنطرتين معقودتين محمولتين على عمود، ومواجهًا الجهة الشمالية ليتلقى الهواء البارد فى الصيف، وبذلك يكون مقعد أهل الدار طوال الصيف وإن كان يستأثر به الرجال أكثر من النساء وهو من مميزات عمارة البيوت الإسلامية ويتصدره داربزين عريض من خشب الخرط أما السقف فهو من براطيم خشبية مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية مذهبة وتتوزع على جانبى المقعد خورستانات - دواليب حائطية - مزخرفة بزخارف نباتية وضعت بها بعض الآنية الزجاجية. وهى تمتاز على تنوعها بنقاء زجاجها وجمال أشكالها وألوانها ودقة صناعتها وهى منتشرة فى كافة أركان المنزل إذ يبدو أن أندرسون كان مهتمًا بشكل خاص بجمع الآنية الخزفية والزجاجية.
 
DSCF0078
 
 
ومن مكاننا بالمقعد نستطيع أن نرى حطات المقرنصات التى تعطى اتساعا للطابق الأول فضلا على قيمتها الجمالية. ويمكننا أن نرى مداميك المشهر فى جدران المنزل، والمشهر هو حلية زخرفية تستخدم فى العمارة الاسلامية وهى تلوين مداميك جدران البناء مدماكا باللون الأحمر ومدماكا باللون الأبيض. ونستطيع أن نرى جمال المشربيات من خشب الخرط الدقيق التى تطل على صحن الدار من كل طابق. ومن المقعد ندلف إلى السلاملك وهو قاعة الاستقبالات الخاصة بالرجال وهى تنقسم إلى ثلاثة أجزاء شأنها شأن أية قاعة في بيوت الأعيان فى العصر المملوكى العثمانى. فهناك ايوانان موزعان على جانبى القاعة ويحصران بينهما درقاعة فى الوسط - وهى كلمة فارسية تعنى الجزء المنخفض فى القاعة. وكل إيوان احتوى على شباك كبير غشى بالمشربيات المشغولة من خشب الخرط بدقة وتفنن باهرين وقد فرشت القاعة كلها بوسائد وثيرة مكسوة بالجوخ المنقوش والكسوات المخملية وتوزعت فى كافة أرجاء القاعة طقاطيق صغيرة من الخشب مشغولة بطرز اسلامية ومطعمة بالعاج والصدف.
 
 
DSCF0148
 
 
وقد ازدانت جدران قاعة السلاملك بمجموعة عتيقة من المسدسات القديمة ترجع إلى العصر العثمانى، وعلى قدر بدائية كل قطعة فيها كسلاح على قدر رفعة قيمتها كقطعة فنية شغلها الصانع بمهارة يدوية وزخرفة على بدن المسدس المعدن ومقبضه الخشبى. وفى ركن آخر علقت أيضًا مجموعة من السيوف مختلفة الأشكال والأطوال بغمد مزخرفة أيضًا، وقد زخرف إزار سقف القاعة بزخارف نباتية بينها كتابات بخط الثلث المزخرف لبعض الأبيات الشعرية والأقوال المأثورة منها هذا القول: "من يعشق ينبغى ألا ينام".
 
DSCF0104
 
 
أما سقف هذه القاعة فمعمول من براطيم خشبية طليت بلون بنى داكن وزخرفت بزخارف هندسية. توزعت فى هذه القاعة مجموعة من الدواليب والخورستانات المزخرفة الواجهات وبها آنية وآباريق من الخزف والزجاج، وتوجد أيضًا صينية طعام كبيرة مستديرة من النحاس المزخرف وعليها مجموعة من السلاطين النحاسية وهى تعود إلى العصر العثمانى، وبجوارها قطعة من الرخام الأبيض الفاخر على هيئة صينية بفجوات غائرة هى التى كانت تستعمل كقاعدة للقلل، وهناك أيضًا مجموعة من الصناديق الخشبية المطعمة بالعاج، ولابد أن نذكر هنا أن تكدس التحف فى هذه القاعة ليس من طبيعة هذه القاعات لكن ظرف العرض المتحفى لمقتنيات المتحف لمجموعة أندرسون فرض هذا التنوع والكثافة والاحتشاد فى القاعات.
 
DSCF0265
 
 
يحفل رواق التصاوير والرسومات بمجموعة نادرة من التصاوير والرسومات التى تعد كل واحدة منها تحفة ثمينة فى ذاتها ويغلب عليها الأسلوب الفارسى الاسلامى فى الرسم والتلوين، وتصور بعض مشاهد الشاهنامة "كتاب الملوك" وهى الملحمة الشعرية التى نظمها الفردوسى سنة 400هـ/ 1010م. والبعض الآخر تصاوير صيد، وتصاوير أنس وعشق، وتصاوير احتفال وطرب وتصاوير لمناظر برية وأزهار وطيور ويغلب على رسوم الأشخاص فيها دقة الحجم والملامح وتأنق الملبس ويبرز فيها مهارة المصور فى استخدام الألوان، فألوان هذه التصاوير قوية ومنسجمة وتتوزع بين لون العقيق الفاتح والذهبى والأزرق السماوى والبنى بدرجاته مما يضفى على مشاهد اللوحات جمالا وبهجة. وأكثر ما يميز هذه اللوحات شأنها شأن لوحات الفن الفارسى، منظورها المسطح فلا عمق فى اللوحة وتبدو عناصرها متراكبة بعضها على بعض بشكل رأسى وأيضًا تغلب الزخرفة النباتية أو النباتات المحورة والنقوش المنمنمة على كثير من هذه اللوحات، ومن هذه التصاوير أيضًا ما يظهر البلاط السلطانى وما فيه من أبهة وفخامة وعظمة وسيادة للسلطان.
 
DSCF0314
 
 
من هذا الرواق ندلف إلى الحرملك وهى قاعة ذات سلم منفصل تمامًا وأكثر ما يميز هذه القاعة تلك المشربيات الكبيرة المنمقة الجميلة فى كل جهة من القاعة وهى تطل على كل جهات المنزل الداخلية والخارجية حيث تتابع من ورائها حريم الدار كل ما يدور فى صحن الدار أو فى الحارات المحيطة بالدار دون أن تنكشف وجوههن على أحد من المارة الغرباء.
 
DSCF0283
 
 
حتى ولو حاول أحد ذلك فلن يستطيع فهذه التعاشيق الدقيقة من خشب الخرط ذات المنظر الجمالى والتى تصنع بكل مهارة وتفنن تسمح بالرؤية من داخلها ولا تسمح بالرؤية من خارجها. وهى من الحلول العبقرية التى قدمها الصانع المسلم الفنان لتتسق وظيفة النافذة مع العقيدة الاسلامية التى تؤكد على ضرورة حجاب المرأة من عيون الأغراب وأيضًا بشكل جمالى باهر وغير مسبوق. وتضفى هذه المشربيات أيضًا نوعًا من البهجة والصفاء على قاعة الحريم لما يتسلل من فتحاتها من ضوء صاف وهواء رائق هذا فضلا عن أن وجودها يكسر حالة الركود والملل التى تعايشها الحريم فى الحرملك بما يتابعنه من ورائها لأحوال الشارع. ومما يلحظ أيضًا على هذه القاعة أنها مفروشة بوسائد وثيرة وبسط منقوشة جميلة ورقيقة وتوزعت فيها بتماثل دقيق مجموعة من الدواليب والخورستانات ورسمت على هذه الخورستانات تصاوير بالأسلوب الفارسى والتى تصور مشاهد برية بألوان مبهجة وزاهية، وفى هذه القاعة مجموعة من المقاعد الخشبية المطعمة بالعاج والمصفحة بالزجاج المفضفض والملون وهى ما تعرف بالمقاعد السورية أو مقاعد العروسة وهذا لكونها تخصص كمقعد للعروس فى حفل زفافها. والسقف فى هذه القاعة معمول من براطيم مزخرفة، وتتوزع فى هذه القاعة عدة مباخر نحاسية على هيئة قباب.
 
DSCF0103
 
 
ومن قاعة الحرملك ندخل إلى غرفة صغيرة أشبه بقمرة وهى غرفة الكتابة والخطاطة الخاصة بأندرسون وفى طريقنا إليها نمر على غرفة كانت مخصصة للقراءة والآن يستغلها المتحف كقاعة لترميم مقتنيات المتحف من السجاد والبسط والمنسوجات.
 
 
DSCF0133
 
ونصعد على سلم يفضى بنا إلى سطح البيت الذى كان بمثابة مقعد السيدات الصيفى لذا فعلى الرغم من أنه مكشوف إلا أن أطرافه غشيت بمربعات كبيرة من خشب الخرط تحسبًا من فضول الناظرين.
 
 
DSCF0142
 
وتوزعت القدور الكبيرة حول داير السطح ونلمح أحواضًا لغسيل الوجه ومحار علقت عليها صنابير نحاسية لطيفة بمحابس من النحاس المشغول المفرغ، إضافة إلى المزولة الشمسية التى علقت فى أحد الأركان وهى عبارة عن قطعة من الرخام الأبيض ومنحوت عليها أرقام وإشارات لتحديد المواقيت.
 
 
DSCF0174
 
نهبط بعض الدرجات لنصل إلى الغرفة الفارسية وهى غرفة تحتوى على أثاث مصنوع من الطراز الفارسى وهى الغرفة التى انتقاها وجهزها أندرسون لتكون غرفة نومه الخاصة وبها سرير كبير مزخرف بطريقة التطعيم بالصدف والعاج وله درابزين دائري حول السرير وهناك دولاب خشبى به عدة شمعدانات من النحاس ومشغول عليها زخارف بطريقة الرقش على المعدن وهناك مجموعة لوحات زيتية لفرسان وخيول وسرير صغير.
 
DSCF0189
 
 
ثم ننتقل إلى الغرفة التركية وهى التى بها صالون على الطراز التركى، ويرجح أن يكون هذا الصالون ملكيًا لأن به مقعدًا كبيرًا بتاج ملكى، ومن نفائس هذه الغرفة لوحة لمحمد علي الكبير بالتصوير الزيتى مؤرخة "1806م" أى بعد توليه حكم مصر بسنة واحدة فقط. وهناك لوحة زيتية أيضًا للخديوى سعيد (1854 – 1867م) فى وقت مبكر من شبابه يبدو فيها مثل السلاطين الأتراك بالعمامة التركية الكبيرة الداكنة والوجه المثلث الأبيض الشاحب وشارب رفيع جدًا مبروم وملتو.
 
 
DSCF0278
 
وتوزعت فى أرجاء الغرفة مجموعة نفيسة من القوارير والفازات من زجاج بوهيميا الذى اشتهر بجودته، وكان يهواه أعيان الشرق الاسلامى.
 
DSCF0210
 
 
 
وفى ردهة واسعة تنفتح على قاعة كبيرة خصصت كمتحف للمنزل، تعرض مجموعة من مقتنيات أندرسون التى تعد من نفائس مجموعته، والتى نرى فيها مجموعة لوحات منها تلك اللوحة المرسومة بطريقة الليثوغراف وهى تصور حركة العامة الصاخبة أمام باب زويلة فى القاهرة منذ ثلاثة قرون مضت وهناك لوحات لزهور ووجوه أشخاص قام برسمها أندرسون نفسه، وهناك تمثال للإله المصرى "باستيت" على شكل قط أسود مصنع من الحجر والمعدن. وهناك أيضًا مجموعة كبيرة من الأوانى الزجاجية، والأوانى الخزفية النادرة ثمينة القيمة.
 
DSCF0249
 
 
ومن رواق فى هذه الغرفة نسير إلى الغرفة الدمشقية وهى عبارة عن غرفة مزخرفة بالكامل بزخارف نباتية وورود يغلب عليها اللون الوردى وهذه الزخارف تشمل السقف وكل الجدران حتى الأرضية. فيتوسط هذه الغرفة سرير ضخم مزخرف بنفس لون وزخارف الغرفة. وهو سرير ملكى على الطراز الدمشقى ومعظمه من الصدف والعاج، وتوجد على وزرات السقف أبيات من قصيدة "نهج البردة" للبوصيرى وكان أندرسون قد اشترها من منقولات قصر قديم فى سوريا ونقلها من هناك واعاد تركيبها هنا.
 
 
DSCF0201
 
 
وعن طريق الممر نذهب إلى البيت الثانى وهو بيت آمنة بنت سالم الذى يفضى بنا إلى مائدة ضيوف الحرملك وهى مائدة مخصصة لطعام الأميرات اللاتى قد يكن ضيوفا على سيدات الدار وهى مائدة كبيرة تتوسطها صينية كبيرة للطعام لها مقاعد للجلوس، بجوارها قاعة لاستقبال الأميرات والهوانم وسقف هذه الغرفة مزخرف برسومات وأشكال هندسية ومنمنمات كغلاف كتاب. وبجوار قاعة الطعام رواق المغانى وهو رواق صغير مسقوف وينفتح بتقشية بالمشربيات المنمقة دقيقة الصنع على قاعة الاحتفالات الكبرى ليتسنى للسيدات رؤية ما يدور من طرب ورقص فى هذه القاعة دون أن يلحظهن أحد.
 
 
DSCF0282DSCF0288DSCF0287
 
 
أما قاعة الاحتفالات نفسها فى هذا المنزل فهى تعد من أفخم القاعات الموجودة ليس فى هذين البيتين فقط، بل فى كل البيوت والقصور الاسلامية الباقية، فهى طولها 15 مترًا وتنقسم إلى إيوانين عظيمين الايوان الأول على يمين الداخل يتصدره عرش هائل كأنه عرش ملكى من الخشب المنقوش والمزخرف والمطعم بالصدف والعاج وتمتد على جانبيه مصاطب ودكك بحواشى ووسائد وثيرة مكسوة بالدمستق والديباج لجلوس خاصة الأمير أما الوسط فقد كان للدور قاعة تنخفض نسبيًا عن مستوى الايوانين ويتوسطها نافورة للماء من الرخام الأبيض وأرضية القاعة كانت تحفة فى ذاتها فقد رصفت كلها برخام الخردة والرخام المعشق على هيئة تشاكيل هندسية مثل الطبق النجمة الذى يتشكل من دوائر وأشكال هندسية على شكل نجمة أما سقف الغرفة فكان بزخارف نباتية وهندسية منمقة باهرة. والايوان الثانى كان بدخلة عميقة بها غرف للاختلاء الخاص للتشاور بعيدًا عن الجمع.
 
 
DSCF0331
 
 
ومن هذه الغرفة الباهرة نهبط إلى صحن الدار الذى يماثل صحن دار الكردلية ويتوسطه أيضًا فسقية من الرخام، لكن مما هو جدير بالذكر أن من الغرف الموزعة على هذا الصحن غرفة الولادة وهى الغرفة التى كانت تخصص للولادة وبها عدة مقاعد خشبية كانت تستخدم لمساعدة السيدات فى الولادة، وفى ردهة تلى باب الدخول والخروج الرئيسى وضعت مجموعة من الصور الفوتوغرافية لما كان عليه البيتان قبل الترميم والمراحل المختلفة لترميمهما نلمس بقوة من خلال هذه الصور الجهد الذى بذل لترميم هذين البيتين فى بداية القرن.
 
DSCF0344
 
البيت في صور


بيت ومتحف جاير أندرسون
 
 
       

من ارشيف الحواديت